الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
إذا كان الله ـ سبحانه وتعالى ـ يكره الكفر فكيف يريده مع أنه لا أحد يُكْرِه الله ـ عز وجل ـ؟ فالجواب: أن المراد نوعان: النوع الأول: مراد لذاته: وهو المحبوب، فالشيء المحبوب يريده من يريده لذاته كالإيمان، فالإيمان مراد لله كونًا وشرعًا، لأنه مراد لذاته. النوع الثاني: المراد لغيره بمعنى أن الله تعالى يقدره لا لأنه يحبه، ولكن لما يترتب عليه من المصالح فهو مراد لغيره، فيكون من هذه الناحية مشتملًا على الحكمة وليس فيه إكراه. مثال ذلك: الكفر مكروه لله - عز وجل - ولكن الله يقدره على العباد، لأنه لولا الكفر لم يتميز المؤمن من الكافر، ولم يكن المؤمن محلًا للثناء، لأن كل الناس مؤمنون، وأيضًا لو لم يقع الكفر فلم يكن هناك جهاد فمن يجاهد المؤمن إذًا، ولو لم يقع الكفر ما عرف المؤمن قدر نعمة الله عليه بالإسلام، ولو لم يقع الكفر، وكان الناس كلهم مسلمين ما كان للإسلام فضل، ولا ظهر له فضل، ولو لم يقع الكفر لكان خلق النار عبثًا وقد أشار الله تعالىإلى هذا المعنى في قوله: وأضرب مثلًا: فعلم الآن أن المكروه قد يفعل، لا لذاته ولكن لغيره، فهكذا الكفر والمعاصي والفساد، يريدها الرب - عز وجل - لما تتضمنه من المصالح، فهي مرادة لغيرها لا لذاتها. نحن نؤمن بأن الله سبحانهيقضي كل شيء، فنؤمن بقضاء الله أيًّا كان هذا القضاء، ويجب علينا أن نؤمن به ونرضى به أيا كان، لكن هل يجب علينا أن نرضى بالمقضي؟ أو لا نرضى؟. نقول: هذا أقسام، فالمقضي نوعان: الأول: مقضي شرعًا. والثاني: مقضي كونًا. فالمقضي شرعًا: يجب علينا أن نرضى به، مثل أن قضى الله علينا بوجوب الصلاة، فيجب أن نؤمن بهذا القضاء، وأن نسلم لوجوب الصلاة، ومثل: أن قضى الله بتحريم الزنى، فيجب علينا أن نؤمن بهذا المقضي، وأن الزنى محرم، ومثل أن قضى الله بحل البيع فيجب علينا أن نرضى بذلك وأن نؤمن بأن البيع حلال، ومثل: أن قضى الله بتحريم الربا، فيجب علينا أن نؤمن بهذا، وأن نستسلم لتحريم الربا. فالخط العريض لهذا المسألة أن القضاء الشرعي يجب الرضا به، والتسليم به، لأن: وأما الثاني فهو القضاء الكوني: أي ما يقضي به الله كونًا ـ فإن كان محبوبًا للنفس، ملائمًا للطبع، فالرضا به من طبيعة الإنسان وفطرته، كما لو قضى الله ـ سبحانه وتعالى ـ للإنسان بعلم فإنه يرضى به، وكذلك لو قضى الله سبحانه للإنسان بمال فإنه يرضى به، وكذلك لو قضى بولد فإنه يرضى به. وإما أن يكون المقضي كونًا غير ملائم للإنسان، ولا موافق لطبيعته مثل المرض، الفقر، الجهل، فقدان الأولاد، أو ما أشبه ذلك، فهذا اختلف العلماء فيه: فمنهم من قال: يجب الرضا. ومنهم من قال يستحب الرضا. والصحيح: أن الرضا به مستحب. وأحوال الإنسان عند هذا النوع من القضاء وهو القضاء الذي لا يلائم الطبع ويكون مكروهًا للإنسان أحواله عنده أربع: السخط، والصبر، والرضا، والشكر. وهو محرم كما لو أصيب رجل بمصيبة وهي تلف المال، فأخذ يتسخط من قضاء الله وقدره وصار يخمش وجهه، ويشق ثوبه، ويجد في نفسه كراهة لتدبير الله عز وجل، فهذا محرم، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم، النائحة والمستمعة وقال: هل هذا الفعل مع كونه محرمًا، ومن كبائر الذنوب هل يبرد من حرارة المصيبة؟ أبدًا لا يبرد من حرارة المصيبة، بل يزيدها، ويبدأ الإنسان يتسخط ويتحسر ولا يستفيد شيئًا، لأن هذا القضاء الذي قضاه الله ـ عز وجل ـ لابد أن يقع مهما كان، يعني لا تقدر أنك لو لم تفعل كذا لم يكن كذا فهذا تقدير وهمي من الشيطان، فهذا المقدر لابد أن يكون، ولهذا قال النبي، عليه الصلاة والسلام: فلو أن إنسانًا خرج للنزهة بسيارته ـ التي هي من أحسن السيارات ـ فأصيب بحادث وتكسرت السيارة فبدأ يقول : لو أني ما خرجت لهذه النزهة ما نكسرت السيارة، ويندم نفسه، ويلوم نفسه، فهل ينفعه هذا؟ أبدًا لا ينفع، لأن هذا كتب وسيجري الأمر بما كتب مهما كان. يتألم الإنسان من المصيبة جدًا ويحزن، ولكنه يصبر، لا ينطق بلسانه، ولا يفعل بجوارحه، قابض على قلبه، موقفه أنه قال: تصيبه المصيبة فيرضى بقضاء الله، والفرق بين الرضا والصبر، أن الراضي لم يتألم قلبه بذلك أبدًا، فهو يسير مع القضاء وهذه قد يستغربها الإنسان، فكيف يمكن للإنسان أن يصاب بمصيبة فيشكر الله، وهل هذا إلا مناف لطبيعة البشر؟ ولكن يكون هذا إذا عرف الإنسان قدر ثواب المصيبة إذا صبر عليها قال تعالى: فهذه هي مراتب الإنسان بالنسبة للمقضي كونًا مما يخالف الطبيعة ولا يلازم رغبة الإنسان. وهنا مسألة: إذا قال قائل: ما تقولون في الرضا بالنسبة لما يفعله الإنسان من الأمور الشرعية كما لو زنى إنسان، أو سرق، فهل ترضون بزناه وسرقته؟. فالجواب: أن فيها نظرين: الأول باعتبار أن الله قدرها وأوجدها، فهي من هذه الناحية قضاء كوني يجب علينا أن نرضى به، فلا نقول : لماذا جعل الله الزاني يزني، وجعل السارق يسرق، فليس لنا أن نعترض. أما بالنسبة لفعل العبد لها فلا نرضى، ولهذا فإننا نقيم عليه الحد قال تعالى:
|